Friday, September 01, 2006

The Egyptian Egypt


منذ وجدت الأديان على الأرض وجد أعداؤها , أولئك الذين احترفوا لعبة استفزاز مشاعر الآخرين من خلال التهكم على دينهم و معتقدهم, لكن يبدوا الأمر أكثر غرابة عندما نرى جماعات كتلك التي ظهرت مؤخرا تحفز كل أصحاب دين للانتقام من أصحاب الدين الأخر و تحفز مشاعر الكراهية لديهم على أساس الاختلاف الديني لا أكثر و حتى أحيانا تحل مقاطعة و إهدار دماء من يؤمنون بمذاهب غير مذاهبهم, متناسين أننا جميعا ننتمي لأرض واحدة , أو فلنقل أم واحدة هي مصرنا و أب واحد أيضا هو تاريخنا المشترك, و يؤسفني أكثر من ذلك أن أرى مثل هذه التصرفات لا تحدث في مكان غير أرض أختارها الله لنشر رسالته و الوحي إلى أنبياءه الكرام (عليهم جميعا السلام).


و لعل ما أثير من شغب و أراء واهية حول الرغبة المشروعة لإخواننا المصريين البهائيين في إعلان ديانتهم في بطاقات الهوية الخاصة بهم قد سبب لي أرق شخصي في الفترة الأخيرة, و لكنها أيضا فتحت أعيني و أعيننا جميعا على تعنت بعض الذين يدعون كونهم محبي مصر, أي مصر التي يتحدثون عنها؟ مصر المسيحية أم مصر الإسلامية أم مصر البهائية, فأنا لم أعرف أن أي من هذه هي مصر, لأن الأرض التي أحتضنتي و تربيت في كنفها هي أرض "مصر المصرية" , مصر التي يعيش فيها كل المصريين بغض النظر عن الديانة أو العرق, مصر التي يكون فيها الجميع متساو في الحقوق و الواجبات.

أعتقد أني – ومثلي كثيرون - نموذجا مثاليا أفرزته مصر المصرية التي أعرفها, فأنا من أسرة متوسطة أعتنق الدين الإسلامي و فخورة به, مثلي مثل جيران لي يعتنقون الدين المسيحي و فخورين به أيضا, تشكلت أفكاري و مبادئي في الحياة من شيخي المسلم و أستاذي المسيحي معا, و الطريف أني توحدت أكثر مع الأخير (أستاذي المسيحي), حتى صرت أفكر بطريقته و استشهد بنصوص من كلماته و احتفظ بكتبه و كتاباته هكذا ببساطة دون أن أؤثر على معتقده الديني أو العكس, هذه هي الحياة في مصر "المصرية" و هذا ما دفعني لأن أندهش حين أثيرت قضية البهائيين في مصر, منذ متى و نحن نحدد طريقة معاملتنا مع الأخر على أساس الدين الذي يعتنقه, منذ متى و نحن – معشر المسلمين – نحل إهدار دماء من يخالفوننا في العقيدة.

أذكر أني تعرفت طوال حياتي على زميلات كثيرات طوال سنوات الدراسة و في العمل. و لم يحدث في مرة أن سألت إحدانا الأخرى عن ديانتها لتقرر إذا ما كانت تستحق أن تصاحبها أم لا, و أذكر أيضا أني ساعدت كثيرين و طلبت المساعدة من كثيرين دون أن أفكر و دون أن يفكروا هم أيضا إن كنت أنتمي لنفس الطائفة التي ينتمون إليها أم لا! و أذكر أيضا جدتي و جارتها المسيحية, امرأتان عظيمتان, أعطونا دروسا في التسامح الديني دون أن يشعرا, فكعادة أهل المناطق الشعبية كانا يتشاركان في كل شيء (كعك العيد: عيدنا و عيدهم, تربية الأولاد, دردشات أخر الليل, الساعات المحببة أمام التلفاز, النزهات, الأفراح, المأتم, كل شيء حتى أدق تفاصيل الحياة اليومية).

و كلما تذكرت أأسف كل الأسف على ما آل له الحال اليوم, فمنذ فترة لا بأس بها و أنا أرى الجميع قد أعلن الحرب على الجميع, بعض محترفي استفزاز المشاعر من المسيحيين أسسوا قناة فضائية كل همها سب المسلمين و الإسلام, و أمثالهم من مشيعي الكراهية من المسلمين راحوا يكفرون المسيحيين و يلقنون أبناءهم دروسا في كيفية تحاشي التعامل مع المسيحيين, و المؤسف أن يصل الأمر إلى منابر المساجد و الكنائس, فبدلا من أن تصبح أماكن للوعظ و إرشاد الناس إلى طريق ربهم, صارت أماكن لتعليم الناس الكيفية التي يكرهون بها بعضهم البعض و تمنيهم بأحلام الخلاص و النجاة و الفوز بالجنة الموعودة في نفس اللحظة!

قال لي زميل مؤمن جدا بأفكار الإخوان الـ - زعما – مسلمين, أن مصر لن ينصلح حالها قبل أن نطهرها – نحن المسلمون – ممن دنسوها, وكان يقصد هنا أصحاب الديانات الأخرى بوجه عام و أصحاب الدين المسيحي على وجه الخصوص, ثم تقمص شخصية أفلاطون و أستطرد في حديث طويل حول صورة مصر الإسلامية, شيء أشبه بأسطورة المدينة الفاضلة التي حلم بها أفلاطون في يوم من الأيام و لم تتعدى كونها مجرد حلم مستحيل, هي فقط أسطورة و لن تتحقق و ليس لنا حتى الحق في التفكير فيها, نسي زميلي أن "المدنسين" الذين يتحدث عنهم هم أيضا مصريين مثله, و المسيحيون تحديدا كانوا أصحاب الأرض قبله, أي أن مصر كانت في يوما من الأيام مصر المسيحية. قلت له هذه الكلمات فاتهمني بعدم الأيمان و الوفاء لديني و مداهنة الكفرة!!!

أنا لا أكتب لأشكو حالة صارت واضحة كوضوح الشمس و لكني أكتب كمن يفكر مع نفسه بصوت عال, أكتب لأبحث مع قلمي عن بعض الأفكار التي كنت قد تناقشت فيها مع أستاذي المسيحي بينما كنا نتحدث بالأمس عن نفس المشكلة, و كعادته دفعني للتفكير بشكل عملي , فأنا و هو نكره كثرة الكلمات و نحب الأفعال, قال لي أستاذي جملة عبقرية, أعتقد أنها هي الحل الأمثل لما نعانيه الآن, قال لي: "من منا – نحن البشر – قادر على تحديد من هو على صواب و من هو على خطأ, فلينسوا ذلك الآن و يلغوا خانة الديانة من الهويات نهائيا, و في الآخرة (يوم الحساب) سنتقابل لنعرف من كان على صواب و من كان على خطأ". أحب هذا الرجل و شبه مغرمة بأفكاره, و لم أشعر يوما في أي حرج في التعامل معه بسبب اختلاف عقائدنا الدينية, كل ما يحكم علاقتنا هو أنه إنسان و أني إنسان, و في رأيي أن هذا هو الحل, أي أن نتعامل جميعا مع بعضنا البعض من منطلق أن كل منا إنسان, له مطلق الحرية في أن يحيا حياته كما يحب هو و ليس كما أحب أنا, هذا هو الحال الذي يجب أن تكون عليه مصر "المصرية", مصر أم المصريين و ليست أم المسلمين فقط أو المسيحيين فقط أو اليهود فقط أو البهائيين فقط, أو ..... أو ...... أو....... اختلافنا و تنوعنا نعمة من الله فرجاءا ألا نضيعها, حتى لا تلاحقنا اللعنات
داليــــا زيــــادة

Posted by Picasa