Saturday, June 30, 2007

هل فشل الإسلاميون في السلطة؟


مقال يستحق القراءة مرات و مرات


كتب: د. سعد الدين إبراهيم



أدعي أنني كنت من أوائل الداعين لإدماج الإسلاميين في المجري الرئيسي للحياة السياسية والعربية، بل كانت دعوتي بحزب سياسي للإخوان المسلمين في مقال بمجلة «المجلة» عام ١٩٨٧، هو بداية تدهور العلاقة، التي كانت
طيبة، بالرئيس المصري حسني مبارك، قبل عشرين عاماً،



كما أنني دعوت إلي ذلك علي صفحات كبريات الصحف العالمية، مثل «النيويورك تايمز» و«الواشنطن بوست» (٢٠٠٤ و ٢٠٠٥)، وكنت أول من دعي في الصحافة العربية والعالمية للتعامل مع «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس)، عقب انتخابها في يناير ٢٠٠٦، في انتخابات ديمقراطية حرة،



ساهم مركز ابن خلدون ومركز جيمي كارتر في مراقبتها، بل أكثر من ذلك رافقت أربعين من طلابي في الجامعة الأمريكية وباحثي ابن خلدون إلي فلسطين ثلاث مرات (أبريل ٢٠٠٦، ويناير ٢٠٠٧، وأبريل ٢٠٠٧)، حيث تحاورنا مع قيادات حماس حواراً مكثفاً علي امتداد أسبوع في كل المرات الثلاث، وقد كتبت عن ذلك تفصيلاً في «المصري اليوم» في حينه.



لم تكن هذه الدعوة التي امتدت أكثر من عشرين عاماً، «غزلاً» مع الإخوان المسلمين أو غيرهم من الإسلاميين، كما ذهبت السلطة وعملاؤها، أو الزملاء العلمانيون، ولكن دعوتي كانت ومازالت تنبع من التزامي العميق بحقوق الإنسان، وإيماني بالديمقراطية والحرية للجميع، سواء كانوا إسلاميين أو ماركسيين أو مُلحدين، ومن نفس هذا المنطلق دافعت، وما زلت أدافع، عن حقوق الأقباط، والشيعة، والقرآنيين، والبهائيين، في حرية العقيدة وممارسة عباداتهم، أسوة بغيرهم من المواطنين المسلمين السُنة، فحقوق المواطنة لا تتجزأ.


وكان ضمن من دافعنا عنهم المسلمون الشيعة في الخليج ولبنان ومصر، وأيضاً فعلنا ذلك علي صفحات هذه الجريدة، أشدنا بالمقاومة الباسلة "لحزب الله" اللبناني للعداون الإسرائيلي فيما سُمي بـ «حرب الصيف»، العام الماضي (٢٠٠٦)، ولكن حينما انحرف حزب الله، عن مقاومة العدو الخارجي، إلي محاولة إسقاط حكومة لبنانية شرعية، منتخبة ديمقراطياً، فإننا لم نتردد عن نقد حزب الله علناً وعلي صفحات الجرائد اللبنانية بعنوان «بين حسن نصر الله وعبدالناصر: هل يعيد التاريخ نفسه؟» (الحياة ١٤/١٢/٢٠٠٦) والعربية.


إن هذه المقدمة الطويلة، هي استعداد لنقد سلوك الإسلاميين حينما وصلوا إلي السلطة أو شاركوا فيها مؤخراً، فإلي أجل قريب كان الإسلاميون عموماً، والإخوان خصوصاً، يرددون شعارهم المحبب «الإسلام هو الحل»، كذلك كانوا يقولون إن القوميين، واليساريين، والناصريين، والملكيين، والجمهوريين، قد تداولوا السلطة تباعاً خلال القرنين الأخيرين، وقد تعثر هؤلاء جميعاً، أو فشلوا فشلاً ذريعاً. الإسلام والإسلاميون فقط، هم الذين لم يحكموا في العصر الحديث، فلماذا لا يأخذون فرصتهم، لكي يثبتوا لشعوبهم وللعالم عظمة الإسلام، وعدالة الشريعة، وقوة الإيمان؟


وكان هذا التساؤل وجيهاً ومنصفاً. نعم، لماذا لا يأخذ الإسلاميون فرصتهم في اعتلاء مواقع السلطة، كما فعل غيرهم من مختلف ألوان الطيف السياسي والأيديولوجي؟، وضاعف من إلحاح التساؤل وما ينطوي عليه من تداعيات نجاح الإسلاميين في تقديم خدمات اجتماعية واسعة للمحرومين والمحتاجين في مصر وفلسطين والأردن، ولبنان، والجزائر، والمغرب.



ورد المحرومون علي هذا الجميل، بتأييد الإسلاميين حينما وحيثما سُمح لهم بالتصويت في عدد من البلدان مثل تركيا والمغرب وفلسطين والأردن ومصر ولبنان، وفي اثنين منها، فاز الإسلاميون بأكثرية مكنتهم من تشكيل الحكومة، وهي تركيا (٢٠٠٢) وفلسطين (٢٠٠٦) وبينما مضت التجربة التركية بنجاح، فإن التجربة
الفلسطينية اصطدمت بعقبات موضوعية عديدة. من ذلك أن فلسطين لاتزال تحت الاحتلال الإسرائيلي.



ومنها أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اشترطا لاستمرار مساعدة فلسطين، أن تعترف حكومتها، أي حماس، بإسرائيل وأن تكف عن المقاومة المسلحة، وأن تحترم الاتفاقيات التي سبق للسلطة الفلسطينية، في ظل حكومة فتح، توقيعها، وحين رفضت حكومة حماس الموافقة علي هذه الشروط، جفت معظم المساعدات المباشرة، وإن استمر جزء منها يقدم للشعب الفلسطيني مباشرة، أو من خلال هيئات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية.



ولكن مشكلات حكومة حماس لم تكن مالية فقط، ولكنها كانت أيضاً سياسية واجتماعية وثقافية، فقد استمر أو تفاقم صراعها مع منافستها الفلسطينية، فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد وصل هذا التدهور لدرجة الاشتباك المسلح، رغم سابق إعلان جميع الأطراف، أن «الدماء الفلسطينية» أي الاقتتال الفلسطيني ـ الفلسطيني، هو خط أحمر لن يتعداه أو يتجاوزه أي منهم، ولكنهم جميعاً تجاوزوه، وأدت الاشتباكات المسلحة بين مقاتلي حماس (كتائب عز الدين القسّام) ومقاتلي فتح (كتائب شهداء الأقصي) إلي حوالي أربعمائة قتيل وجريح خلال شهر يونيو وحده، وكانت قمة هذا الاقتتال يومي ١٤و١٥ يونيو، وشهد العرب والعالم علي شاشات التليفزيون مناظر القتل والتدمير واسع النطاق في قطاع غزة،



وحيث كانت كفة حماس هي الأرجح. فقد أعلنت انتصارها، وحررت قطاع غزة من أعدائها الكفرة «الفتحاويين» (نسبة إلي فتح)، وساق المنتصرون الفلسطينيون «المؤمنون» أسراهم الفلسطينيين «الكافرين»، شبه عرايا، وهم موصدون بالأغلال في شوارع غزة. كما أعدم المنتصرون عدداً من قيادات ومقاتلي فتح رمياً
بالرصاص أو بإلقائهم من أسطح المباني، دون محاكمات، ولو صورية.



لقد تصرف مقاتلو حماس بشكل همجي دموي، وهم يرددون كبيرات وابتهالات دينية، أو افترشوا ساحات المؤسسات التي «حرروها» من «الفتحاويين» لتأدية صلوات الشكر علي هذا النصر المبين، وقد تزامن هذا المشهد الانتقامي الدموي في غزة الفلسطينية، مع مشهد لا يقل دموية وغدراً في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة طرابلس في شمال لبنان، حيث قام مسلحون من تنظيم يسمي نفسه «فتح الإسلام»، بإطلاق النار علي جنود كتيبة من الجيش اللبناني، أثناء مرورها الروتيني قرب
المخيم، فأردوا حوالي عشرين منهم قتلي، وقد أدي ذلك إلي رد فعل غاضب من الجيش وكل الأحزاب والمنظمات المدنية اللبنانية،
ورغم أنه لا توجد علاقة معلومة بين ما حدث في غزة وطرابلس، فإن كثرة استخدام تسميات إسلامية (حركة المقاومة الإسلامية، فتح الإسلام، حزب الله، جند الشام، الجهاد الإسلامي) قد
جعل الرأي العام العربي والإسلامي يتساءل عما إذا كان شيء في الإسلام، كعقيدة، أو كممارسة، يؤدي إلي كل هذا العنف والعدوانية، والناس في ذلك معذورون، فمازالت ذكري ما حدث في تفجير برجي مركز التجارة العالمي، سبتمبر ٢٠٠١، والذي راح ضحيته ٣٠٠٠ إنسان، من جنسيات عديدة، حية في عقول الكثيرين،




فإذا أضفنا صور التفجيرات اليومية في العراق، والتي تتم أيضاً تحت أسماء إسلامية، أو قبلها العمليات الانتحارية في بلاد إسلامية وغير إسلامية، من بالي في شرق آسيا إلي الدار البيضاء في غرب أفريقيا، مروراً بما يحدث في دارفور بالسودان علي يد قوات نظام عمر البشير الذي يدعي أنه يحكم أيضاً باسم الإسلام، أو القتال الممتد في الصومال، ويقوده ما يسمي المحاكم الإسلامية، لكان لنا أن نلتمس العذر لمن يطرحون الأسئلة عن علاقة الإسلام بالعنف والإرهاب.



صحيح أن التعميم في الإجابة عن هذه الأسئلة محفوف بالأشواك المنهجية والموضوعية، وصحيح أن هناك إسلاميين أسوياء يحكمون في تركيا أو يشاركون في السلطة في المغرب والكويت والأردن، ولكن صوت هؤلاء الأسوياء يضيع في ضوضاء وصخب الانفجارات التي يحدثها فرقاء آخرون باسم الإسلام، ثم يتردد الأسوياء في إدانتها علناً، أو يحاولون تبريرها والاعتذار عنها. فيا ليت العقلاء من الإسلاميين يهبّون للدفاع عن أنفسهم وعن دينهم في وجه السفهاء من الإسلاميين.




اللهم بلغنا اللهم فاشهد.


-------------------


نقلا عن المصري اليوم


٣٠/٦/٢٠٠٧