Tuesday, September 27, 2016

إلى الرئيس الأمريكي الجديد: دعم استراتيجية التنمية في مصر هو الحل



التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالمرشحين الرئاسيين الأمريكيين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، على هامش مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي. وقد أثار اللقاءان ردود أفعال واسعة في الصحف المصرية والأمريكية، حيث استغل أغلب المحللين الأمريكين هذه الفرصة لتقييم رؤية المرشحين الرئاسيين بشأن سياسة أمريكا الخارجية، باستثناء صحيفة "واشنطن بوست" التي استغلت مناسبة اللقاء كفرصة للهجوم على الرئيس المصري، كالعادة. لكن مقال الـ "واشنطن بوست" هذه المرة قد تجاوز حدود المعقول. 

وصفت افتتاحية واشنطن بوست، الرئيس السيسي بأنه "ديكتاتور" أتى لحكم مصر عبر "إنقلاب عسكري"، وأنه حالياً "يدس في جيبه" أموال طائلة تعطيها له الحكومة الأمريكية في صورة مساعدات. وكم أتمنى أن يكون المجلس التحريري الذي يكتب الافتتاحية والمكون من أمهر وأقدم كتاب الصحيفة قد ساق هذه الاتهامات الباطلة في حق الرئيس السيسي من باب الجهل بالحقائق وليس متعمداً. 

أولاً، وصف الرئيس السيسي بأنه ديكتاتور هو ظلم بيّن، وإهانة للشعب المصري الذي سبق وأسقط "ديكتاتورية" مبارك و"إسلامية" الإخوان، سعياً وراء التطور الديمقراطي الذي لم نشهد بوادره إلا عندما أتى الرئيس السيسي للحكم بأغلبية ساحقة تجاوزت 97 بالمئة من المصوتين، كما أن الرئيس السيسي لم يقضي في حكم مصر حتى اليوم سوى عامين بالكاد، أي نصف المدة الأولى، ويتمتع بدعم شعبي واسع، ويمارس سلطاته تحت سيادة القانون التي يكفلها الدستور، في دولة بها مؤسسات مستقلة وبرلمان يتمتع بصلاحيات أعلى من صلاحيات الرئيس نفسه. وهو الذي سبق وساند المصريين في ثورتين، عندما كان قائداً عسكرياً. فأي ديكتاتور هذا الذي تتحدث عنه الـ "واشنطن بوست"؟  

ثانياً، أموال المساعدات الأمريكية تمنح لكلٍ من مصر وإسرائيل وفقاً لاتفاقية كامب دافيد، والمبلغ الذي يذهب لإسرائيل من هذه المساعدات هو ضعف ما تحصل عليه مصر، وهي مساعدات تمنح للجيش وليس لرئيس البلد، من أجل تطوير القدرات العسكرية والمساعدة في التنمية الاقتصادية بشكل عام، ولا يستطيع الرئيس في مصر أو إسرائيل أن يضع هذه الأموال في جيبه حسب إدعاء الصحيفة أو حتى يوجه صرفها إلى أغراض خاصة أو عامة غير تلك المخصصة لها. 

ثالثاً، كم كنت أتمنى أن تستهلك الـ "واشنطن بوست" المساحة التي خصصتها للهجوم على الرئيس السيسي، في دراسة سبل تفعيل الرسالة الهامة جداً التي قدمتها المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون للرئيس السيسي في لقائهما، بشأن تطوير حالة حقوق الإنسان وتشجيع المجتمع المدني على العمل. وطبعاً أن لم أقصد هنا أن تلجأ الـ "واشنطن بوست" للكلاشيهات التي يرددها الإعلام الغربي عن ضرورة "الضغط" على مصر من أجل ملف حقوق الإنسان. 

مصر ليست بحاجة إلى مزيد من الضغط، ولو أن أمريكا صادقة في نيتها لإحداث تطور ديمقراطي حقيقي في مصر، فعلى الرئيس الجديد للولايات المتحدة أن ينظر في وسائل لمساعدة مصر للتخلص من الضغوط الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تثقل كاهلها منذ ثورة يناير، لأن هذا هو السبيل الوحيد لتمتع المواطنين بحقوقهم. 

لقد كان الشعار الرئيسي في ثورة يناير، قبل خمسة أعوام، هو "عيش، حرية، عدالة إجتماعية" وهو شعار يلخص تماماً أولويات المصريين، وينعكس بشكل عملي في الاستراتيجية التي يتبناها الرئيس السيسي من أجل بناء ديمقراطية حرة في مصر. فقد وضع المصريون "العيش" كأولوية لأن الأمن من الجوع والخوف هو الضمانة الوحيدة للحرية. 

والواقع يقول أنه ليس بيد الرئيس السيسي أو غيره أن يمنح المصريين حقوق أو حريات، الحقوق والحريات تكتسب ولا تمنح. واجب القيادة السياسية فقط أن يهيء للمواطنين المناخ الذي يستطيعون فيه التمتع بالحقوق والحريات التي أكتسبوها عبر كفاحهم السياسي لسنوات. وهذا بالضبط ما يقوم به الرئيس السيسي من خلال تبني استراتيجية تدعيم وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والقيام بمشروعات تنموية تضمن "العيش" و"العدالة الاجتماعية" كإطار تزدهر في ظله حقوق وحريات المواطنين.  

أما السؤال المهم الذي يطرح نفسه اليوم، بينما يتطلع العالم لاستقبال رئيس أمريكي جديد، هو: هل يمكن للرئيس الأمريكي الجديد أن "يتفهم ويساعد" مصر من أجل تحقيق التطور الديمقراطي المنشود وفق رؤية رئيس مصر وأولويات احتياجات شعبها، أم أنه سيفعل كسابقيه ويستسهل "الضغط" على مصر من أجل اتباع نموذج أمريكي جاهز؟ وحدها الأيام القادمة تحمل الإجابة.


To new US President: Supporting Egypt’s Development Strategy is The Answer



On the side of United Nations General Assembly, in September, President Abdel Fattah El Sisi of Egypt held separate meetings with US presidential candidates Hillary Clinton and Donald Trump. The meetings ignited a huge controversy in both American and Egyptian media. Most commentaries focused on comparing the foreign policies of the two presidential candidates, based on how they handled the Egyptian President. One commentary by the Editorial Board of the Washington Post stood out. 

Rather than discussing the foreign policy perspectives of US Presidential candidates, Washington Post Editorial Board seized the opportunity to attack the Egyptian President, as usual. This one article went too far, though. The editorial described President El Sisi as the “dictator” who came to power through a “military coup” and who is now “pocketing” 1.3 billion dollars from the US. 

First of all, it is totally unfair to name El Sisi a dictator. President El Sisi came to power through free and fair elections with 97% of votes. He has been in power for two years; that is hardly the half of his first term. He is still in power with the endorsement of the Egyptian people, who did not fear to topple the autocratic regime of Mubarak and the theocratic regime of the Muslim Brotherhood, within a time frame of only three years. El Sisi is using his presidential powers under the rule of law guaranteed by a valid constitution. His presidential powers do not conflict with the independent judicial system or the parliament, which already has extra-presidential powers. When he was a military leader, El Sisi sided with Egyptians in overthrowing two dictators. Thus, he cannot be dreaming about being a dictator himself. 

Second, According to Camp David Peace Accords, Egypt should receive annual 1.3 billion dollars in military aid and a double of that amount goes to Israel. The US funds are not given to the presidents of Egypt and Israel to put in their pockets, as the Editorial Board claims! It is given to the military institutions in both countries to improve their warfare and push forward economic welfare. Neither the President of Egypt, nor the President of Israel, could dare to “pocket” the US funds or even spend on anything other than their pre-identified purpose. 

Third, I wish the Washington Post had invested the precious space of the editorial in highlighting the most urgent message conveyed by Mrs. Clinton to President El Sisi; which is for the Egyptian government to enhance human rights and encourage the work of civil society organizations. Rather than spending 500 words on attacking El Sisi, the Editorial Board should have explored workable recommendations to turn Mrs. Clinton’s message into action. They should have looked beyond the cliché phrase in most western media of “pressuring Egypt on human rights” to suggest practical solutions on “helping” Egypt advance human rights agenda in conformity with Egypt’s strategy and priority needs.

Enough with pressures for God sake! Egypt has been weighed down by endless economic and political pressures since 2011 revolution. Rather than shouldering us with more pressures, the next US president should help us get rid of those pressures and thus set the right atmosphere for the hard-won human rights and civil freedoms to flourish.

The strategy adopted by President El Sisi to improve the status of political and civil rights in Egypt is to set a solid basis of economic and social rights, first. In a recovering country with high rates of poverty and illiteracy, the top priorities are to provide quality food and secure shelter. The main slogan in the 2011 revolution was “bread, freedom, social Justice.” Bread was put first, because this is what people needs first. Human rights and civil freedoms are not something to be given by a government. Those rights were earned by the Egyptian people and no one can take it away from them. Therefore the strategy of El Sisi is to create the socio-economic context where people can really enjoy their constitutional political and civil rights.    

President El Sisi’s approach of giving the priority to social and economic rights might not be the perfect solution from the point of view of most Americans. But, so far, it is working like charm in Egypt. The question, then, is: could the new president of the US consider “helping” Egypt follow through its own strategy towards liberal democratization, rather than “pressuring” Egypt to adopt a ready-made American model? Let’s hope for the positive answer. 

Saturday, September 24, 2016

لماذا تضع "المصري اليوم" المجتمع الحقوقي شوكة في عين القيادة السياسية في مصر؟



ماذا تفعل المصري اليوم بالضبط؟ لو أن إعلامنا يضر مصالح مصر بهذا الشكل، فهل نلوم على إعلام الإخوان؟

منذ أسبوع تقريباً، طلب مني الزملاء في جريدة "المصري اليوم" عمل حوار لملف تعده الصحيفة عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وتضمن الحواررأيي في حالة حقوق الإنسان بشكل عام، وقانون المجتمع المدني الجديد، وما يثار عن حالات الاختفاء القسري في مصر، وأداء وزارة الداخلية فيما يخص حقوق الإنسان، وغيرها.

وفوجئت صباح يوم السبت 24 سبتمبر أن الصحيفة نشرت الملف الموعود، وأخرجوا منه العنوان الرئيسي الأبرز على الصفحة الرئيسية للجريدة، وهو عنوان صادم جداً وإلى جواره صورة تنتمي لحقبة ما قبل ثورة يناير لأفراد شرطة يعتدون بالضرب على مواطن، والعنوان كان: 

"أزمة حقوق الإنسان.. تغيرت الأنظمة وبقيت الانتهاكات: تصاعد الاختفاء القسري والاعتداء على حرية التعبير.. والمجتمع المدني يواجه فرض الوصاية – ملف ص 8 و9"

ثم، فتحت الصفحات الداخلية لأكتشف أنه تم استبعاد حواري الذي يحمل قدر من التفاؤل تجاه تطور أوضاع حقوق الإنسان في مصر والتزام مصر بتعهداتها الدولية، ونشرت الجريدة فقط الحوارات والتصريحات التي تؤيد وجهة نظرها المتحيزة لأن الدولة والقيادة السياسية في مصر تتربص بالمجتمع الحقوقي وتعاديه وتتعمد انتهاك حقوق الإنسان.

الطريف هنا، أن الجريدة أيضاً صورت المتهمين في قضية التمويل الأجنبي على أنهم أبطال أو ربما "ضحايا" المرحلة، رغم أن عددهم لا يتجاوز واحد بالمائة من المجتمع الحقوقي في مصر، وأعطت تلميحات بأنه تم ملاحقتهم قضائياً بسبب عملهم الحقوقي، مستبعدة تماماً الحقيقة التي يعلمها الجميع بأن هؤلاء أرتكبوا مخالفة صريحة للقانون بالعمل في كيانات غير شرعية وتلقي أموال من مصادر أجنبية عبرها، وهذا تحديداً هو ما يحاسبهم القضاء عليه الآن، والقضاء في مصر كيان مستقل تماماً عن السلطة التنفيذية، وبمحاسبة هؤلاء فهو يعلي سيادة القانون التي هي أصل التطور الديمقراطي وحقوق الإنسان في أي بلد.

بل أكثر من ذلك، نشرت الصحيفة في هذا الملف إحصائيات عن مئات الحالات التي تدعي أنها موثقة لاختفاء قسري، رغم رد الداخلية الحاسم والنهائي عليه، وأيضاً نشرت الصحيفة آلاف الحالات من انتهاكات لحرية الرأي والتعبير وما شابه ذلك، استناداً إلى تقارير منظمات حقوقية دولية معروف عنها تلاعبها بملف حقوق الإنسان للإضرار بمصالح مصر. 

أظن أنه تم استبعاد حواري لأنه كان يحمل وجهة نظر تنفي تماماً كل هذه المزاعم وتثبت عكسها، وأزعجني جداً أن يخرج مثل هذا الفعل من صحيفة نتوسم فيها المهنية والوطنية، ولا أعرف لمصلحة من تساهم المصري اليوم في إزكاء نار العداء بين المجتمع الحقوقي والدولة؟ وإن كانت تفعل ذلك عن عمد. لمصلحة من تغامر المصري اليوم بوضع المجتمع المدني كشوكة في عين القيادة السياسية في مصر، بدلاً من أن يكون المجتمع المدني والإعلام أدوات لدعم التطور الديمقراطي في مصر وليس عائقاً له، ومدمراً لمجهودات الرئيس الخارجية من أجل مصر؟ ولماذا الآن؟!  

وهذا نص الحوار الذي صادرته المصري اليوم لأنه لا يتفق مع أجندتها، ولعل قدرتي على نشره هنا دليل قاطع أنه في عصر السماوات المفتوحة والأنترنت لم يعد بمقدور أحد المصادرة على رأي أحد أو التضييق على حريته في التعبير: 


1. كيف ترين وضع حقوق الإنسان في الوقت الحالي؟

المجتمع الحقوقي في مصر يعاني اختناق شديد، رغم أن حالة حقوق الإنسان تتطور. حقوق الإنسان تنقسم إلى سبع فئات حسب وثائق الأمم المتحدة، أهمها فئتين هما: الحقوق السياسية والمدنية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية. القيادة السياسية الحالية في مصر تتبنى وجهة النظر التي تعطي الأولوية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية كأساس للبناء عليه فيما يخص الحقوق السياسية والمدنية، وفي هذا الإطار حققت الدولة نجاح ملحوظ حتى الآن فيما يخص المشروعات التنموية التي تستهدف التطور الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين. 

لكن المؤسف في الأمر أن الحديث عن حقوق الإنسان المدنية والسياسية أصبح شيء مزعج لعموم الشعب بسبب بعض وسائل الإعلام التي صورت لهم أن المنظمات الحقوقية عملاء لقوى خارجية تستهدف هدم مصر، وهذا كلام غير دقيق وظالم لما فيه من تعميم. 

صحيح أن هناك في الوسط الحقوقي من تعمد استغلال منظمته للعب دور سياسي يتناقض تماماً مع دوره الحقوقي، وصحيح أنه في الوسط الحقوقي من أساء استغلال علاقته بالغرب للإضرار بمصر وتغليب المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن، والبعض وصل به الأمر لتكسير القوانين المنظمة لعمل المجتمع المدني والتعنت ضد وزارة التضامن حين طالبتهم بالخضوع للقانون والعمل في إطاره، لكن كم عدد هؤلاء؟ هم قلة قليلة جداً بالنسبة للمجتمع الحقوقي الضخم قدراً وعدداً، ولذلك تسببت هذه الصورة المغلوطة والتركيز فقط على النماذج الفاسدة والمحدودة جداً داخل المجتمع المدني، في خلق فجوة بين المجتمع المدني والمواطنين. 

لكن الوسط الحقوقي في مصر الآن ليس قادر على المبادرة لتضييق هذه الفجوة واستعادة ثقة الناس، لأن أغلب المنظمات في حالة هوان شديد بسبب ضعف التمويل الخارجي أو إنقطاعه كلياً، في ظل غياب أي مصادر للتمويل من الداخل، حتى أن عشرات المنظمات أغلقت أبوابها بلا رجعة في الخمسة أعوام الأخيرة، والبقية ما زالت تعافر بإمكانيات ضعيفة جداً. 


2. وهل محاربة الإرهاب وتأمين الحدود لها أثر؟

أنا ضد فكرة خلق توازن بين المتطلبات الأمنية وحقوق الإنسان، فهما ليسا ضدين بل عنصرين أساسيين لبناء أي دولة ديمقراطية، الحياة الكريمة والآمنة هي حق من حقوق الإنسان، وضمان حقوق الإنسان هو أكبر ضمانة للحفاظ على استقرار الدولة وأمنها. الحرب على الإرهاب حمل ثقيل على مصر والحرب التي يخوضها جيشنا وشرطتنا ببساله ضده ليست كافية للقضاء عليه، بل يجب أن يتوازى مع هذه الحرب مساعي للتنمية، وهذا بالفعل ما تقوم به القيادة السياسية الآن فيما يخص التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أما في مسألة الحقوق المدنية والسياسية، فيجب أن يكون المجتمع المدني في منتهى الحذر، لأنه كان البوابة التي سبق ونفذ منها هؤلاء الإرهابيون إلى شرايين المجتمع المصري تحت مسمى حرية التعبير وحرية الممارسة السياسية، ومصر لم تعد تحتمل تكرار خطأ جسيم كهذا. واعتقد أن هذا هو أحد أسباب التخوف من المجتمع المدني أيضاً، كونه مجتمعاً مفتوحاً للجميع، بما سيسمح بعودة عناصر غير مرغوب فيها أو تتسبب في أضرار لن نحتملها في ظل الظروف الحالية.
  

3. ما حقيقة وجود اختفاء قسري في مصر؟

لا يوجد في مصر حالات اختفاء قسري، وهذه مسألة أصبحت مستحيلة لأكثر من سبب. الاختفاء القسري هو فعل تمارسه الدول التي لا تعترف بسيادة القانون، ومصر اليوم بعيدة كل البعد عن هذا النموذج، حيث أن لدينا سلطة قضائية مستقلة تماماً، هي التي تفصل في كل الأمور التي تخص الخارجين على القانون بما في ذلك الإرهابيين، دون أي تدخل من السلطة التنفيذية، ولو كانت القيادة السياسية الحالية ترغب في القيام بأعمال انتقامية ضد المعارضين على شاكلة الاختفاء القسري، لكانت فعلت ذلك من سنوات، وما كانت سمحت للقيادات الإرهابية بمحاكمات عادلة، ولم تلجأ حتى لفكرة المحاكمات الاستثنائية. 

أما السبب الآخر الذي يجعل من المستحيل أن يكون في مصر ما يسمى بالاختفاء القسري على يد الدولة ضد معارضيها، هو حقيقة أن حالة الطواريء انتهت من سنوات، وبالتالي لم يعد مسموح لجهاز الشرطة أن يقبض على مواطنين دون أمر قضائي واضح وصريح، ولم يعد ممكناً للسجون أن تستقبل أشخاص دون أن يتم تسجيل كل تفاصيل النزلاء في سجلاتها بوقت الدخول وسبب ومدة السجن ومكان المسجون إلى آخره. فضلاً عن كل ذلك، فقد أعلنت وزارة الداخلية أكثر من مرة رأيها فيما أدعت بعض المنظمات الدولية أنهم مواطنين تعرضوا لاختفاء قسري وأكتشفنا أن أغلبهم اختفى من البلاد بكامل إرادته لينضم لتنظيمات إرهابية في بلدان مجاورة.


4. هل أوفت مصر بتعهداتها التي قطعتها على نفسها في المراجعة الدورية الشاملة؟

من المفترض أن يقوم مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في نوفمبر هذا العام، بعمل تقييم نصف المدة لتقدم مصر في تحقيق المراجعة الدورية الشاملة، ونحن في المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة، نقوم حالياً بالتعاون مع مكتب المراجعة الدورية الشاملة في الأمم المتحدة على عمل تقرير تقييمي مستقل، كمنظمة محلية غير حكومية لما أنجزته مصر حتى الآن في التعهدات التي التزمت بها ضمن السبع فئات المتعلقة بحقوق الإنسان، وأستطيع أن اعطيك مؤشرات مبدأية أهمها أن مصر نجحت بشكل ملحوظ في تحقيق التزاماتها في فئات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق المرأة والطفل، وحقوق المعاقين، وحقوق الأقليات العرقية والدينية، وسيادة القانون، ومحاربة الفساد، أما بقية الفئات ما زال هناك بعض العثرات التي تتسبب في تأخرها. لكن بشكل عام هناك التزام أكبر من القيادة السياسية الحالية في التزام الدولة بتنفيذ تعهدات المراجعة الدورية الشاملة، إذا ما قارناه بما كان الوضع عليه في الحقبة الماضية.  
   

5. وما اوجه الاختلاف بين عصر السيسي وعصري مبارك ومرسى فيما يخص حقوق الإنسان؟

هناك فرق ضخم بين الدولة في عصري مبارك والسيسي، أما تلك السنة الهزيلة التي حكم فيها الإخوان فلم تتجاوز كونها خطأ مطبعي في تاريخ مصر. مصر في سنة حكم مرسي لم تكن دولة، بل كانت جسد مريض سيطر عليه سرطان إسمه الإخوان مستغلاً تلهف الشعب للممارسة الديمقراطية، ورغم أنهم وصلوا للحكم من خلال ثورة الشعب في يناير من أجل حقوقه وحريته، إلا أنهم لم يحترموا إرادته، وما زلت حتى اليوم أتذكر مثلاً قيادات نسائية إخوانية خرجت علينا تدافع عن زواج القاصرات وختان الإناث، وأتذكر أيضاً مهزلة الدم في مقابل الشرعية التي عاقبونا بها بعد أن لفظهم الشعب، لقد كانت فترة ظلام، والحمد لله تجاوزناها. 

أما بالنسبة لدولة مبارك، فقد كان لها إيجابياتها وسلبياتها فيما يخص حقوق الإنسان، حقوق المرأة مثلاً كانت في أوج ازدهارها في عهد مبارك، والمجتمع المدني كان أيضاً يعمل بشكل أكثر كثافة نظراً لفتح باب التمويلات الخارجية وقتها دون رقابة، والسماح لكثيرين بالعمل خارج إطار القانون، لكن كانت دولة مبارك تفعل كل ذلك فقط لاسترضاء الغرب والمداراة على ما يرتكب من فساد حكومي وإداري، وإعطاء إنطباع بأننا كنا دولة ديمقراطية رغم أننا كنا بعيدين كل البعد عن أبسط قواعد الممارسة الديمقراطية، وهذا ما أدى إلى الثورة التي أطاحت بهذا النظام. 

أما القيادة السياسية الحالية تحت زعامة الرئيس السيسي، فهي قيادة واعية غير فاسدة ومخلصة تماماً في حب هذا الوطن، دولة تعلمت من أخطاء الماضي، وأيقنت أن السبيل لتحقيق التغيير لن يأتي إلا من خلال احترام إرادة المواطن وتنميته، والحفاظ على ما أكتسبه من حقوق وحريات. وأعتقد هذا سر إيمان أغلب المواطنين المصريين بالرئيس السيسي وحبهم له، وصبرهم معه على الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة التي نمر بها. 


6. البعض اشتكى من تصاعد الحبس الاحتياطي..كيف ترين ذلك؟

هذه مشكلة كبيرة بالفعل، لكن بطء إجراءات التقاضي وزيادة عدد القضايا المنظورة أمام القضاء في الفترة الأخيرة هما السبب الرئيسي فيها، خصوصاً أن أغلب القضايا المنظورة حالياً خصوصاً المتعلقة بالإرهاب، كان من الأولى نظرها في محاكم خاصة، بما سيعجل بالحكم فيها، لكن طبعاً هذه مسألة في يد القضاء في النهاية. 


7. ماذا عن دور البرلمان وتعامله مع ملف حقوق الإنسان وهل اللجنة لها دور حقيقي؟

ملف حقوق الإنسان بشكل عام أصبح من الملفات التي تثير الخوف والريبة في النفوس للأسف الشديد، سواء في البرلمان أو حتى على مستوى المواطن العادي نظراً للأسباب التي شرحتها لك في سؤال سابق، لكن كنت أتمنى أن يأتي أداء لجنة حقوق الإنسان في البرلمان أفضل مما رأيناه الفترة الماضية، فما كان يجب أن تغرق اللجنة في فتح ملفات لا تخصها مثل موضوع معاشات العسكريين، أو الدخول في خلافات غير مفهومة بين أعضائها واتهامات غريبة وجهت لبعض الأعضاء بسبب حضورهم مؤتمر بالخارج، حتى أن رئيس اللجنة نفسه اضطر لتقديم استقالته بسبب هذه الاتهامات. وبهذا إنشغلت اللجنة عن دورها الأساسي في تمرير القوانين الهامة مثل قانون التظاهر وقانون الجمعيات الأهلية وقانون المجلس القومي لحقوق الإنسان، وغيرها من الأنشطة المهمة التي كان يجب أن تقوم بها اللجنة، ونتمنى أن يتم تدارك هذه الأخطاء في دور الانعقاد القادم إن شاء الله، فنحن ننتظر من هذه اللجنة تحديداً الكثير في ملف حقوق الإنسان.
  

8. كيف ترين استقالة السادات رئيس اللجنة في الوقت الحالي؟

أقدر ما أصاب السادات من خيبة أمل وإحباط بسبب ما تعرض له من اتهامات تنال من سمعته وأسمه، لكن كنت أتمنى أن يصمد ويحارب من أجل موقفه للنهاية، فالاستقالة ليست حل.


9. ما رأيك في أداء المجلس القومي لحقوق الإنسان؟

المجلس القومي لحقوق الإنسان هو أحد أهم عناصر نجاح مصر في مساعيها أمام المجتمع الدولي، وبيده إما أن يرفع اسم مصر أو يضرها أشد ضرر. وفي الحقيقة أنا غير راضية عن غالبية الأعضاء في التشكيل الحالي للمجلس القومي لحقوق الإنسان، باستثناء أربعة فقط مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والووطنية. ولدي إنطباع أن بعضهم تم تعيينه في المجلس أيام حكومة الببلاوي من باب المجاملة وليس من باب الكفاءة. بعضهم لم يعمل في المجال الحقوقي ولا يوم واحد في حياته، وبعضهم الأخر يخلط بشكل فج بين انتمائه السياسي وعمله في المجلس، بل ويستغل ذلك للإضرار بمصالح الوطن. وفقاً للدستور، فإن التشكيل الحالي منتهي بالفعل، ويجب تغييره في أقرب وقت واستحضار ذوي الكفاءة والأهلية للقيام بدور حقيقي في هذا الملف الشائك، لكن يجب أن يصدر قانون المجلس القومي لحقوق الإنسان أولاً، وهو الأمر الذي ما زالت لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان متأخرة في تنفيذه.

Thursday, September 01, 2016

عن حب النفس في مجتمع يعتبر الحب ذنب



تندم على حاجة عملتها لأنك بتحبها، أحسن من إنك تندم على حاجة كان نفسك تعملها وعارف إنها هتسعدك وما عملتهاش. دي واحدة من الدروس ال علمتها لي الحياة، ما فيش أي مبرر يخلينا نضحي بسعادتنا علشان نرضي المجتمع المحيط، إلا إننا نكون بنكره نفسنا. 

إحنا اتخلقنا في مجتمعات متحجرة الفكر وضيقة الأفق، واتربينا على إن الناس طيب وشرير، والتصرفات إما غلط أو صح، وما فيش حاجة بينهم، ما فيش احتياجات إنسانية ممكن تكون خارج إطار الصح والغلط أصلاً ومش من حق المجتمع يحط لك قواعد بشأنها. واتربينا على إن حب النفس وإسعادها أسمه أنانية، والأنانية صفة تخليك في خانة الأشرار بتاعت المجتمع، وبالتالي بنقضي عمرنا كله بنحاول نحقق أعلى سكوور ممكن في خانة الطيبين علشان المجتمع يرضى عننا، ونوهم نفسنا كده إننا حقنا حاجة، حتى لو كان ده على حساب نفسنا. لغاية ما تيجي النهاية، نهاية عمرنا، ونكتشف إننا عشنا كل ال فات بنيجي على نفسنا واحتياجاتنا وسعادتنا علشان بس نفضل طيبين في نظر المجتمع. 

ولو يوم فكرت تتمرد على الوضع ده وتعمل حاجة بتحبها علشان نفسك والمجتمع غير راضي عنها، تلاقي نفسك غرقان في دوامة من الشعور بالذنب. مع إن المفروض الحاجة الوحيدة ال تخليك تحس بالذنب هي إنك تفشل في إسعاد نفسك. 

أنا شوفت ناس بتحس بالذنب لمجرد إنها أكلت أكلة بتحبها، ولم تسأل ليه كده ما حدش هيقولك علشان بحافظ على صحتي مثلاً لكن دايماً الرد بيكون علشان يفضل شكلي حلو في عين الناس! 

شوفت ستات بتحس بالذنب لما ينجحوا علشان جوزها مش ناجح زيها، وده كده هيخلي شكلهم الاجتماعي مش ظريف لأن مجتمعنا بيقول الست لازم تفضل أقل درجة من الراجل.  

شوفت ناس تيجي فرص الحب الحقيقي في طريقهم ويدوسوا عليه برجليهم، بدل ما يشكروا ربنا على نعمة كبيرة ملايين غيرهم بيتمنوا يعيشوها ولو يوم واحد في حياتهم، بس علشان المجتمع مش هيكون راضي عن سعادتهم بالحب ده، فبيفضّلوا التعاسة لأنها بتحسسهم إنهم ضحية، والإحساس إنك ضحية أسهل من  تحملك مسئولية إسعاد نفسك.

 لغاية إمتى هتفضل تكره نفسك وتيجي على سعادتك علشان تحافظ على قواعد عبثية وضعها من سبقونا إلى هذا المجتمع؟ مين قال إن القواعد دي هي الصح وإنك مطالب بالالتزام بيها من أساسه. 

على سرير الموت، مش هتقول لنفسك أنا كنت شاطر أوي علشان قدرت أقمع نفسي وما حبيتهاش، ما حدش هيجي يقولك شكراً لأنك جيت على نفسك وضحيت بسعادتك علشاني. الحاجة الوحيدة ال هاتندم عليها أشد الندم هي الفرص ال كان ممكن تدوق فيها طعم السعادة بجد وضيعتها علشان ترضي غيرك، وفقاً لقواعد ما كانش مطلوب منك تلتزم بيها أصلاً!