Saturday, May 05, 2018

تأملات في معاناة المرأة المحجبة داخل مصر و رئيسة سنغافورة

Imam Ahmed Eltayyeb Sheikh of Al-Azhar and Halima Yacob President of Singapore


بينما كنت أتابع أخبار زيارة الإمام الأكبر دكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف لبعض دول جنوب شرق أسيا، توقفت كثيراً أمام صورته مع حليمة يعقوب، رئيسة سنغافورة.

حليمة يعقوب ليست مجرد امرأة في منصب رئيس، حليمة يعقوب هي سيدة مسلمة محجبة تتربع على عرش دولة، دين الإسلام فيها ليس دين الأغلبية بل مجرد دين واحد من بين سبعة ديانات أخرى.

لماذا تبدو سنغافورة أفضل حالاً من مصر، خصوصاً فيما يتعلق بالتعامل مع النساء المحجبات؟! لماذا تصل امرأة محجبة إلى منصب رئيس الدولة في سنغافورة، بينما تتعرض النساء المحجبات في مصر لكثير من التمييز والتحقير فقط لأنهن يرتدين الحجاب، ليس فقط على مستوى الفرص المتاحة لهن في العمل، ولكن أيضاً على مستوى الأنشطة المجتمعية اليومية، على الرغم من أن الغالبية العظمى من المواطنين في مصر هم من المسلمين، وغالبية المواطنات المسلمات يرتدين الحجاب، لكن ربما هنا تتجلى واحدة من أبرز أوجه التناقض التي تقع المرأة ضحية مباشرة لها في مجتمعنا.

إلى جانب المشكلات الأزلية التي تعاني منها المرأة بوجه عام في مصر، بغض النظر عن انتمائها الديني أو الاجتماعي، مثل التحرش والتمييز في أماكن العمل، والتمييز المجتمعي، فإن للمرأة المصرية المحجبة نصيب خاص من الاضطهاد وبأشكال ربما لم تخطر على بال أحد، ولا تجروء النساء المحجبات على البوح بها في أغلب الأحيان، خوفاً من الاتهام الدائم بأن من تختار أن ترتدي الحجاب هي بالضرورة تختار تقييد حريتها وعليها دائماً أن تكون خاضعة وخانعة وتقبل بأي شيء يحدث لها، وفي هذا ظلم كبير!

هل تعلم مثلاً أن المرأة المحجبة في مصر محرومة من ممارسة أغلب الأنشطة الاجتماعية والترفيهية المعتادة؟ 

هناك شواطيء داخل مصر (ليست في فرنسا!) لا أستطيع دخولها بالحجاب، وهناك حمامات سباحة في بعض القرى الساحلية المصرية محرّم دخولها على المحجبات تماماً، والسبب الذي يقدمه الفندق دائماً هو أن الحجاب يفسد المظهر الحضاري "الشيك" لهذه الشواطيء!

وهناك مطاعم في القاهرة تمنع المحجبات من دخولها فقط لأنهن محجبات، سواء دخلن بمفردهن أو ضمن مجموعة، وسواء أردن دخول المطعم في فترة النهار أو فترة الليل، والسبب الذي تقدمه هذه المطاعم دائماً هو أن المكان يقدم الكحوليات، ضمن قائمة الطعام والمشروبات الخاصة به، ووجود المحجبات في المكان يضايق الزبائن الذين يطلبون الكحول ويجعلهم يشعرون بالذنب!! 

وحقيقةً لا أعرف من أين اخترع أصحاب المطاعم والفنادق المصرية هذا اللامنطق! أنا كمثال إمراءة محجبة سافرت العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ودخلت مطاعم تقدم الكحوليات في كل المدن التي زرتها تقريباً، ولم يحدث مطلقاً أن اعترض أحد على وجودي في المطعم لأني محجبة ولأني لا أطلب مشروبات كحولية من القائمة! 

لقد قضيت سنوات كثيرة من حياتي القصيرة نسبياً أدرس وأعمل في أوساط غربية، أمريكية في أغلبها، ولم يحدث مطلقاً أن علّق أحد على حجابي بأي شكل من الأشكال، لا سلباً ولا إيجاباً، وكأنهم لا يرونه على رأسي أصلاً، فقط عندما بدأت اتعامل بكثافة مع مصريين، وجدتني مضطرة للتعامل مع أسئلة مستفزة ونصائح أبوية يقدمها البعض، أحياناً دون سابق معرفة بيننا، من نوعية: 

- "أنت إمرأة جملية لماذا تدفنين هذا الجمال تحت قطعة قماش، ليه خانقة نفسك كده؟" 
أو مثلاً: 
- "كيف أن إمرأة ذكية وناجحة ذات عقلية متفتحة مثلك ترتدي الحجاب؟" 
أو السؤال الأكثر استفزازاً: 
- "كيف تمارسين لعبة الاسكواش وأنتِ محجبة؟" 

وكأن الحجاب عندهم مرادف للقبح أو دليل على التخلف والغباء أو على أحسن تقدير هو نوع من أنواع الإعاقة! فلا يستقيم عند هؤلاء أن تكون المرأة المحجبة جميلة، أو تكون المرأة المحجبة ذكية وناجحة في حياتها وعملها، أو أن تستطيع المرأة المحجبة ممارسة أي لعبة أو رياضة تحبها مثلها مثل أي كائن بشري أخر!

وليس سرأ، حجم الكتاب المصريين الذين يصفون أنفسهم بـ"التنوريين"، ولا أعلم عن أي "نور" يتحدثون وهم يحمّلون المرأة المحجبة مسؤولية القبح والتخلف الذي يعاني منه المجتمع المصري اليوم مقارنةً بفترة الخمسينات، مدّعين أنه لو أن النساء عدن لارتداء الفساتين القصيرة وخلعن الحجاب، سنصبح مرة أخرى مجتمع مثالي جميل ومنضبط، أو بقدرة قادر سنصبح نسخة من أوروبا. 

وهو معيار فيه خلل شديد، واستخدامه يعكس ضيق أفق ونظرة قاصرة، لأن تقدم المجتمع أو تخلفه يقاس بأداء أفراده وشعورهم بالمسؤولية لا بملابسهم أو مظهرهم، لقد تخلف مجتمعنا بسبب انتشار مظاهر التحرش وإلقاء القمامة في الشوارع والازدحام والعشوائية والتلوث وتدهور الأخلاق، وغيرها من الظواهر السلبية التي اعتاد المصريون ممارستها في العقود الأخيرة، وليس ملابس المرأة أو حجابها هي السبب!

أضف إلى ذلك، الربط الذي أقامه بعض المحللين المزعومين بين جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين وأفكارهم المتشددة وبين الحجاب، وكأن كل إمرأة ترتدي الحجاب هي بالضرورة تنتمي لهم أو تروج لأفكارهم ولو بشكل غير مباشر، وفي هذا خلط كبير وجهل بالحقائق وظلم لكل إمرأة محجبة، بل إن في هذا الإدعاء تعزيز لأجندة الإخوان والسلفيين الذين يقدمون أنفسهم على أنهم المتحدثين باسم الله على الأرض، وأن رفضهم يجب أن يترتب عليه بالضرورة رفض للدين ومظاهره. 

أنا امرأة محجبة، لكني أقف في موقف ديني وسياسي مناهض تماماً لكل ما تؤمن به جماعة الإخوان وما يؤمن به السلفيون، وأرفض تشددهم واعتبره إساءة للإسلام الذي يتمسحون في اسمه، وأقول ذلك جهاراً بل وأمارسه بشكل يومي من خلال عملي في مكافحة الإرهاب والأفكار المتطرفة.

أخيراً، أعلموا أيها المصريون أن المرأة المحجبة هي إنسان مثل أي إنسان، والحجاب ليس غطاء للعقل يجعل صاحبته متخلفة أو فاشلة، الحجاب هو فعل ديني واختيار شخصي، ويجب عليكم احترام اختيارات المحجبة الشخصية والتعامل معها بشكل طبيعي، دون ممارسة أي تمييز ضدها بدافع أن تظهروا أنفسكم أكثر تقدماً وتحرراً تشبهاً بالغرب، فالناس في الغرب لا يفعلون مثلكم ولا يعاملون المرأة المحجبة باحتقار أو تمييز كما تفعلون على الرغم من أن لديهم من القوانين والتقاليد التي تبرر لهم فعل ذلك!

أتمنى أن يأتي على مصر يوم أرى فيه امرأة محجبة من ذوات الكفاءة - وهن كثر - في إحدى المناصب العليا بالدولة، هو حلم أعرف أنه سيتحقق عن قريب.